الجمعة، 14 أغسطس 2015

الاعتراف بالأدب النسوي

أصبحت أحس أكثر من أي وقت مضى أن علينا نحن الأكاديميين أن نؤسس لنمط جديد من الدراسة النقدية يطور نظاما اصطلاحيا خاصا بدراسة (الأدب النسوي) ، فقد أصبح هذا النوع من الأدب ظاهرة طاغية في الأدب العربي المعاصر لا يمكن التغافل عنها ، وان كان مفهوم المصطلح لما يزل غائما وضبابيا ، وأنا أحاول في هذه المقالة مقاربة حدود (أدب المرأة) اصطلاحاً.
عرف الأدب العربي في عصوره القديمة نساء اشتغلن بالأدب وبالشعر خاصة، غير أننا لا نستطيع عدّ ذاك الأدب أدبا نسوياً ، فقد كانت المرأة تتقمص شخصية الرجل في أدبها ، وان لم تفعل ذلك فهي تصور المرأة كما هي في عين الرجال ولا تتجرأ على التعبير عن صورتها كما تراها هي، انظر مثلا أبيات الخنساء:
يا لَهفَ نَفسي عَلى صَخرٍ وَقَد فَزِعَت

خَيلٌ لِخَيلٍ وَأَقرانٌ لِأَقرانِ
سَمحٌ إِذا يَسَرَ الأَقوامُ أَقدُحَهُم

طَلقُ اليَدَينِ وَهوبٌ غَيرُ مَنّانِ
حُلاحِلٌ ماجِدٌ مَحضٌ ضَريبَتُهُ

مِجذامَةٌ لِهَواهُ غَيرُ مِبطانِ
سَمحٌ سَجِيَّتُهُ جَزلٌ عَطِيَّتُهُ

وَلِلأَمانَةِ راعٍ غَيرُ خَوّانِ


لا يمكن أن نعد هذه الأبيات في الرثاء من أدب المرأة ، فصفات المرثي ترد فيها ليست سوى تلك الصفات الكلاسية التي يتمناها الرجل في نفسه ، القوة والشجاعة والكرم، وليس فيها ما يعبر صدقا عن صورة المرثي كما تراها المرأة.
تقمص المرأة لشخصية الرجل في أدبها استمر قرونا طويلة ، ففي القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين لم تستطع ألأديبات التخلي عن قناع الرجل، فهذه مثلا وردة اليازجي (1838-1924) تمدح نائلة شقيقة السلطان عبد الحميد:


يا ثغر بيروت البهيج تبسّمِ

وبحمد خالقك الكريم ترنّمِ
اليوم زارتك المليكة فاكتست

شرفا ربوعك بالطراز المعلم
هي أخت سلطان الأنام مليكنا

وسليلة الملك الهمام الأعظم
على الرغم من أن المادح والممدوح هنا كلاهما من النساء غير أن أسلوب الشاعرة كان أسلوب المديح التقليدي الذي لا يتصف بأية صفة تحملنا على عدّه من الأدب النسوي.
إن ما نريد تحديده أولا هو أن مصطلح الأدب النسوي لا يدل على كل النصوص الأدبية التي تكتبها المرأة ، ذلك لأن المرأة العربية كانت غالبا منجرة الى معالجة الهموم العامة التي يعالجها الأدب تقليديا ، ولم تهتم الأديبة العربية بالقضايا الخاصة بالمرأة الا في وقت متأخر من القرن الماضي.
تقول الاستاذة يمنى العيد )) أميل الى الاعتقاد بأن مصطلح الأدب النسائى يفيد عن معنى الاهتمام وإعادة الاعتبار الى نتاج المرأة العربية الأدبي وليس عن مفهوم ثنائي, أنثوي - ذكوري, يضع هذه النتاج في علاقة اختلاف ضدّي - تناقضي, مع نتاج الرجل الأدبي.))-اضغط لمشاهدة المصدر-وهذه نصف الحقيقة ، فالمصطلح لا يفترض هذه الثنائية اطلاقا ، غير أننا نختلف مع العيد في حصر المصطلح في قضية اخلاقية لا تعدو رد الاعتبار للمرأة الآديبة.
في السنوات الأخيرة ظهر نمط من الأدب لا يمكن الا أن نسميه الأدب النسوي ، فقد عمدت الكثير من الكاتبات – بحيث شكلن ظاهرة لا يمكن نكرانها- الى حصر اهتمامهن بقضايا ذات مساس شديد بحياة المرأة ومحيطها الاجتماعي ، فنحن لا يمكن أن نتغافل عن نوال السعداوي واحلام مستغاني وليلى العثمان وغيرهن ، والعشرات وربما المئات من القاصات والشاعرات ، اللواتي رحن يكتبن عن قضايا المرأة التي كانت الى حد قريب (تابو ) يحرم على الأديبات الخوض فيه ، مثل قضايا العنف ضد المرأة والزواج المبكر والتمييز وجرائم الشرف ، بل اننا نلمس في السنوات الثلاث الأخيرة زيادة واضحة في عدد الأديبات اللواتي تجرأن على معالجة شؤون أكثر حساسية مثل الخيانة الزوجية والسلوك الجنسي الشاذ والمشاعر الحقيقية للمرأة عندما تحب وعندما تكره ، اذ لم تعد مثل هذه القضايا تطرح كما يراها الرجال.
في العراق مثلا يمكن أن نشير الى أن نصوصا مثل قصص ايناس البدران وقصص ومقالات رحاب الهندي وقصائد آمنة عبد العزيز لا يمكن أن تفهم الا في إطار مصطلح الأدب النسوي ، فالقارئ يشعر بحدة أن كاتب هذا النص امرأة ولا يمكن أن يكون رجلا.
ومن المؤكد والحالة هذه أن تينك الأديبات طورن تكنيكاتهن الخاصة التي تلائم أدبهن المميز ، ومن هنا أصبح من الضروري بحث الأدب النسوي من الناحية الفنية للوقوف على سماته وابتكار المنضومة الاصطلاحية القادرة على التعامل معه.

0 التعليقات:

إرسال تعليق